بيان اللجنة
إخواننا بني معروف المقيمين في ربوع جبل لبنان وهضاب جبل الشيخ ومنحدراته، والمنتشرين في القارّة الجديدة والقارّة السوداء وأستراليا وغيرها من أرجاء الأرض، نحيّيكم تحيّة عربيّة مضمَّخة بطيب الإخلاص والمحبّة، ونتوجّه إليكم مغتبطين بهذه الكلمة الموجزة، تبيانًا لما قمنا به من عمل بنّاء في سبيل إعزاز الطائفة وإعلاء شأنها.
لقد طرق أسماعنا مرارًا أقوال نقد، كان رقيقًا تارةً وعنيفًا طورًا، فأخذ الناقدون علينا أنّنا توانينا وأبطأنا إبطاء السلحفاة في إنجاز بناء الدار، وقد تقبّلنا عباراتهم اللّاذعة برحابة صدر وابتسامة المحبّ، وصمت، لِيَقيننا أنّ الصمتّ في مثل هذه الحال، ونوايا أكثر الناقدين صادقة بريئة، أجدى من الكلام والإجابة، وقد كان جوابنا على الانتقاد، ليس من النوع اللسانيّ بل بمواصلة المسعى والمثابرة على جمع المال اللّازم، بشتّى الطرق المعقولة، مع إزعاج مرير أحيانًا للساعين، لإكمال عملنا الجليل، غير عابئين "بالقال والقيل" واضعين نصب خواطرنا هدفًا شريفًا هو تشييد دار، لطالما فكّر فيها وتاق إليها عقلاء الدروز منذ عشرات السنين، تكون مجمع شمل الإخوان ومنطلقًا جديدًا ومركز تثقيف، وتكيل الخير لهم! وهذه الغاية السامية هي التي كانت لنا الحافز دون غيرها، وشعارنا: "عمل خير صامت".
وقد استطعنا بفضل الكرماء الواعين من أبناء الطائفة أن نواصل العمل بالرّغم مما اعترض طريقنا من صعاب. لسنا مسؤولين عنها إذ كانت من صميم القضاء والقدر وخارجة عن نطاق العزم والتدبير.
فحوادث الزلزال شغلت بال المغترب، فحوّلت نشاطه إلى اهتمام بعائلته المنكوبة وأبناء وطنه الذين أصابهم رُشاش النكبة فتقاعس عن إمدادنا بالمادّة مؤثرًا الأهمّ على المهمّ.
وثورة سنة 1958 حالت كذلك دون الاستمرار في السعي من أجل الدار، إذ كرّس أعضاء اللجنة وقتهم وجهدهم لمساعدة منكوبي الحوادث، وتخفيف آلام الجريح والميتّم والجائع والعاري، يحدوهم حبّ النجدة وروح الإنسانيّة.
ولم يغرب عن بالنا أنّ ثمة فئة ليست قليلة من أبناء عشيرتنا واخوتنا لم تكترث ولم تمدّنا بأيّة معونة، لا بل تقاعست عن دعمنا، والأغرب والأعجب، وهو أمر يكاد لا يُصدّق أنّ بعضها انبرى للدعاية ضدّ المشروع على خطورته، بالمكاتبة مرّة وبالكلام المباشر مرّة أخرى يُلقى هنا وهناك في الاجتماعات الخاصّة، مدّعية أنّه مشروع كبير، مُثقل لكاهل الطائفة، على معرفتها أنّ في لبنان قرى عديدة حقّقت مشاريع أكثر كلفة من مشروعنا، وهي لا تدُرّ على أهلها أي مكسب مادّيّ، ومع التأكّد أنّ هذه الفئة لو بذلت جهد المقلّ وتبرّعت حسب إمكانيّتها لانتهى البناء منذ زمن بعيد، ولكنّها آثرت مسلك أسهل سبيل، سبيل نقدٍ قائم إمّا على بخلٍ وإمّا على غاية منحرفة، وكلّ ما نقوله لهذه الفئة التي هي منّا وقريبة لقلوبنا وعزيزة علينا: "سامحك الله" وإنّنا بعملنا وسعينا وتضحيتنا نبني لها ولابنائها ولكلّ معروفيّ؛ وإنّ هذه الدار التي أنجزت هي لها كما هي للآخرين ممّن تبرّعوا وسعوا. وإنّنا نعمل بوحيٍ من ضمائرنا وعقولنا، وبإرادة منّا قويّة لم تَنِ ولن تتراجع، على كثرة المشاغل الخاصّة التي تتطلّب أكثر أوقاتنا!
هذه، أيّها الإخوة، بعض أسباب تأخّر قيام داركم حتّى اليوم، وهي أسباب وجيهة لا مجال لإنكارها عند كلّ مُنصف عاقل؛ وبالرّغم من تلك العقبات فقد بذلت اللجنة كلّ مستطاع دون ملل أو كلل ، فنظّمت عدة حفلات غايتها تكريم بعض المحسنين والتشجيع على التبرّع للدار، فأقامت حفلة للأستاذ الوطنيّ "عبدالله النجار" على إثر عودته من "موسكو"، وحفلة للسيّد العصاميّ "محمد سعيد مسعود"، كبير مغتربينا في"كندا"، والمناضل في سبيل قضايا العرب، وأخرى للسيّد "يوسف سليمان عسّاف" ذي الايادي البيضاء على مشروعنا وسائر مشاريع الطائفة، ودعت سمّو الأمير" كريم آغا خان " لزيارة الدار، يحفّ به رهط من رجالات الطائفة، ونظّمت يانصيبًا لتغذية المدخول، وبناءً على مسعاها انعقد المؤتمر الدرزيّ الأوّل والمؤتمر الدرزيّ الثاني في بهو الدار الفسيح لتنسيق المطالب المتعلّقة بحقوق الطائفة، وكان ذلك قبل أن تصبح الدار بحالتها الجميلة كما هي اليوم.
وقد تكلّم في المؤتمر عدد من وجوه بني معروف، نخصّ منهم المصلح الاجتماعيّ المناضل الأستاذ "عارف النكدي"، وانصرف المؤتمرون آنذاك وهم على مثل اليقين أنّه، لولا وجود الدار هذه لصعب، إن لم نقل تعذّر، انعقاد المؤتمرَين، ممّا يؤكد ضرورة هذا البناء الخطير الذي دعا إليه المفكّرون المخلصون من أبناء طائفتنا وحقّقته هذه اللجنة الصغيرة، المشتغلة بصمت وتواضع، همّها المحافظة على منزلة أبناء الطائفة وجمع شملها لتقوى وتنسجم مع سائر الطوائف في هذا الوطن الغالي، وتؤلّف معها عِقدًا جميلًا وسلسلة ذهبيّة يطوّق بهما جِيد لبنان ومعصمه، ويكون فيه الدروز كما كانوا في الغابر من الأزمان أبهى حُلَّة وأقوى حلقة.
نعم، أيّها الإخوة والأخوات هذه هي داركم الراسية في أجمل بقعة من بيروت، قد أنجزت أقسامها التي صممنا على إنجازها، وهي جديرة بالفخر والاعتزاز لكلّ معروفيّ، وقد أصبح الآن باستطاعة الدروز، كلّ الدروز، أن يستقبلوا في قاعتيها الفسيحتين وبهوها الفخم، كبار الضيوف والزائرين في مختلف المناسبات والظروف، دون قاعات الفنادق في المدينة، ويلقوا في ردهتها الكبرى في الطابق الأعلى، المقترح تسميتها "ندوة فخر الدين" محاضراتهم، ويدعوا إليها خطباء البلاد عند الاحتياج، ويحيوا فيها الحفلات ويعقدوا المؤتمرات ويطالعوا في مكتبتها، قريباً إن شاء الله، ما هو مثقِّف ونافع من كتب ومجلّات، وتكون ملتقى لمختلف طبقات الطائفة حتّى يتعارف أفرادها ويتبادلوا الآراء في أيام تُعيّن؛ تتآلف فيها قلوبهم ويتحابّون ويتعاونون.
وفي داركم جناح المحاكم البدائيّة والاستئنافيّة ومركز للنشاط الاجتماعيّ النافع السارّ.
إنّ اللجنة، تعاهد نفسها أنّها ستبقى جنديًّا أمينًا مناضلًا لإنجاز الاشغال الباقية في الداخل وخارج الدار ولن تتخلّى عنها، وستسعى لجمع قيمة التكاليف لذلك، ولتجهيز الدار بالمفروش اللائق بما قدّر من مال.
واللجنة واثقة من أنّ أهل الجود المخلصين لن يخيّبوا آمالها في العطاء الممكن لتسديد المال اللّازم.
إنّنا نكرّر التحيّة ونتقدّم بشكر جميع المتبرّعين في الوطن والمهجر وبالأخصّ السادة: "عبد الله النجار" و "يوسف عسّاف" و "محمد سعيد مسعود" الطيّب الذكر والمرحوم "سعيد خويص" الذي فقدت اللجنة والطائفة نصيرًا قلّ مثيله، رحمات الله عليه، ووفّق المولى جميع المحسنين وسدّد خطاهم وخطانا لما فيه خير بني معروف وكرامتهم وخير الوطن.
"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم .... والمؤمنون .... "
"ومن يعمل مثقال ذَرّة خيرًا يره"
يوسف س. نويهض